التعليم..من الطباشير إلى ثلاثية الأبعاد
وقف إحدى معلمى المرحلة الإعدادية أمام تلاميذه فى الصف.
كانت الغرفة مليئة بالطلاب الذين ملوا من درس الفيزياء الذى كان يشرحه.
وهنا، أدرك المعلم أنه قد حان وقت التغيير!
وبلمسة من أصابعه على السبورة الموجودة فى الفصل،
بدأ تشغيل مقطع فيديو شائق على السبورة تشرح درس الفيزياء بطريقة أكثر ابتكاراً.
إنها ليست كأى سبورة طبشورية ثنائية الابعاد.
إنها نوع آخر يجذب انتباه الطلاب.
كيف استطاع ذلك المعلم أن يغير من طريقة شرحه للدرس
وأن يبتكر أساليب تعليمية جديدة لا تثير الملل فى نفوس طلابه،
بل تدهشههم وتحفزهم على حب المعرفة؟
لقد كان الفصل مزوداً بلتقنية الحديثة
والتى يطلق عليها "السبورة التفاعلية" أو Interactive Whiteboards
وهى سبورة رقمية شديدة الاختلاف عن غيرها من السبورات
وهى فى طريقا للانتشار فى مدراس الدوحة وحول العالم.
فى مؤتمر آفاق التكنولوجيا فى التعليم 2009،
قُدمت عدد من المحاضرات وورش العمل حول هذه التقنية الجديدة المبهرة شكلاً ومضموناً،
مع التركيز على كيفية عمل هذا النوع الجديد من السبورات
إمكاناتها التى جعلتها أحد أكثر سبل تكنولوجيا التعليم شهرة واستحساناً.
انتهت تلك الايام التى كان معلمى الصف يضطرون فيها للانتظار طويلاً
لحجز الوسائل المرئية والمسموعة من معمل المدرسة.
ولن يحتاج المعلمون بعد اليوم أن يتعاملوا مع سبورات طبشورية صعبة الاستعمال -
وما يصحبها من أتربة وعملية مسح فى كل مرة يتم فيها الشرح.
لقد ولت هذه الأيام وصار التعليم أسرع
وأكثر كفاءة من خلال السبورة التفاعلية
وهى عرض لما يدور على شاشة كمبيوتر موصل بالسبورة
بواسطة جهز عرض Projector
والذى يقوم بنقل الصورة من شاشة الكمبيوتر إلى سطح السبورة التفاعلية.
ولا يتعين على المعلمين التحكم بالسبورة
من خلاال جهاز الكمبيوتر، بل يستطيعون فعل ذلك من خلال اللمس
أو استخدام أى نوع من الأقلام للضغط على مكونات الشاشة المرئية على السبورة.
"فكر فى تقنية Power Point (العروض التقديمية)
واسأل نفسك عن سبب تفضيلك لها" -
هكذا بدأت ميشيل كونواى- خبيرة تعليمية بجامعة كيمبريدج -
محاضرتها بالمؤتمر حول السبورات التفاعلية،
موجهةً سؤالها للعديد من المعلمين المحليين والعالميين
الذين حضروا من مختلف بقاع العالم للتعرف على تلك التكنولوجيا الجديدة
وكيفية استخدامها بكفاءة. وتجيب كونواى على سبب تفضيل المعلمين لتقنية العروض التقديمية:
"إنها تفاعلية، تحمس الطلاب على المشاركة
ويمكن أعادة استعمالها آلاف المرات وتغيير ما كتب عليها.
ستقدم لكم السبورات التفاعلية كل هذا وأكثر".
فى البداية، يتعين على المعلمين تركيب برامج الكمبيوتر اللازمة على السبورة،
وهى برامج سوفت وير
لازمة لتدريس أنواع مختلفة من المواد الدراسية
كالتاريخ أو الفيزياء،
لذلك فإن اختيار نوع السةفت وير
يجب أن يكون على أساس مدى إيفائه بمتطلبات المادة الدراسية.
وبلمسة قلم أو إصبع بسيطة، يمكن للمعلمين تغيير محتويات السبورة فى ثوان،
وهو ما يفسح مجالاً أكبر للتفاعلية داخل الفصل المدرسى،
خاصةً أن المعلم صار بإمكانه التجول
داخل الفصل مع احتفاظه بديناميكية السبورة
وتغير محتوياتها لتتوافق مع الشرح الذى يقدمه.
ولن يحتاج المعلم إلى ممسحة لمسح محتويات السبورة،
فبإيديه المحردة، يمكنه أن يحذف ما على السبورة
ويمسح الكلمات المعروضة فضلاً عن خاصية "المسح"
المتوافرة فى برنامج Notebook والموجود بالسبورة.
وتأتى السبورات التفاعلية لتؤكد مرة أخرى
الدور الكبير للرقمية فى إضافة عمق للعملية التعليمية.
لقد صار بإمكان المعلمين أن يعرضوا لأكثر من فكرة أو مفهوم فى آن واحد،
من خلال فتح عدة ملفات فى ذات الوقت على السبورة
وتمكين الطلاب من مقارنة المفاهيم أو وجهات النظر
وإيجاد أوجه الاختلاف أو الاتفاق فيما بينها.
ولن يصبح التعليم معتمداً على الكلمات المكتوبة وحسب،
فها هى الوسائط المتعددة من فيديو ومقاطع صوتية
قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المحتوى التعليمى المطروح على السبورة التفاعلية،
وهكذا، لا يصبح التعليم مجرد عملية عرض -
بحيث يشرح المعلم مفهوماً أو نموذجاً مرئياً للطلاب على الشاشة -
بل يتجاوز ذلك لمرحلة أكثر تحليلاً للمفاهيم التعليمية.
فالطلاب لن يشاهدوا فقط مكونات النماذج أو الصور،
بل سيتمكنون من مقارنتها بغيرها، والتفكير فيها
بطريقة نقدية وعميقة فى إطار أرحب وأشمل،
مع مناقشتها مع معلميهم
وإبداء وجهات النظر فى الحلول البديلة
للمواقف المعروضة على السبورة والتى قد تختلف
أو تتفق مع وجهة نظر معلميهم.
ولكن، هل تكفى هذه المزايا جميعها
لنخلص إلى استنتاج مفادة أننا على أعتاب ثورة تعليمية جديدة
من خلال السبورات التفاعلية؟
هذا ما يجيب عنه دوج براون، خبير وكالة بيكتا البريطانية: "التكنولوجيا
فى حد ذاتها لا قيمة لها، إن قيمتها تكمن فى كيفية استخدام المعلمين لها داخل الفصل.
إن قيمة السبورات التفاعلية ليس فقط فى أنها ثلاثية الأبعاد
أو تحوى أجزاء فيديو متحركة،
بل تنبع قيمتها الحقيقة من قدرة الطلاب على تغيير محتوباتها
وأجزاءها والتعامل معها بطريقة أكثر فاعلية،
فهم قادرون الآن على إضفاء تغيير على ما يشاهدونه على شاشة السبورة
ولم يعدوا مجرد متلقين للمعلومة فى مقاعدهم".
تدريب المعلمين. هذه هى - إذن - كلمة السر فى نجاح تقنية السبورات التعليمية.
ويعد التدريب التقنى جزءاً هاماً -
بحيث يتعلم المعلمون كيفية استخدام السبورة فى فصولهم -
إلا أنه ليس الأهم. إن التغيير الواجب حدوثه -
كما يؤكد براون - هو فى طريقة التدريس بحد ذاتها،
ورؤية المعلمين لدورهم الحقيقى فى العملية التعليمية،
فدورهم ليس فى إعطاء المعلومة لطالب متلق للمعلومة فقط،
بل تقاس مهارة المعلم الحقيقة فى مدى نجاحه فى إشراك الطلاب بفاعلية
فى عملية تعليمهم. وبهذا، فإن تقنية مثل السبورات التفاعلية
ستزيد من دور المعلم ولا تنقصه. ويواصل براون:
"فى الماضى كانت عملية التعليم عبارة عن انتقال للمعلومة
أما الآن، فالمعلومات متوافرة سلفاً،
لذا حان وقت التركيز على مناقشتها مع الطلاب وليس تلقينها لهم
وهو ما يعنى تعاظم دور المعلم فى المرحلة المقبلة".
وتؤكد كونواى على أنه ثمة أسئلة يتعين على المعلمين سؤالها لأنفسهم
عند خوضهم لتجربة السبورات التفاعلية: ما الذى يجذب انتباه تلاميذهم بدرجة عالية؟
وما الذى يتطلعون إلى رؤيته على السبورة؟ وكيف يمكن لهم - كمعلمين -
أن يجيبوا على أسئلة واستفسارات تلاميذهم
بواسطة السبورة التفاعلية والسؤال الأهم:
هل المعلمين على استعداد لأن يغيروا ما كتبوه على السبورة التفاعلية
بناءً على اقتراحات ززجهات نظر طلابهم؟
إن أيام التعليم أحادى الاتجاه قد ولت. لقد تحول التعليم
إلى ثلاثى الأبعاد وغيرت الرقمية طريقة انتقال
وتبادل المعلومة العلمية داخل الفصل المدرسى.
ولكن، تظل السبورات التفاعلية أكثر من مجرد وسيلة تعليمية جديدة،
فها هو دور الطالب يتغير،
من متلق إلى مشارك فاعل فى العملية التعليمية. وهذا هو التغيير الحقيقى.
بقلم: مينا ناجى
ترجمة وتحرير: مينا ناجى