مجرد إدخال التقنية الحديثة في حجرات الدراسة لا يعني بالضرورة حدوث تغيير نوعي في آلية التعليم، فليست الأجهزة هي التي تغير، وإنما ينتج التغيير المطلوب عن الممارسات التي تتم في حجرة الدراسة، أو بمعنى آخر هو طريقة التدريس التي يستخدم من خلالها المعلم هذه الأجهزة. إن الفائدة المرجوة من التقنية الحديثة قد تضيع بسبب طريقة استخدامها، لأن توفير الأجهزة ليس ضماناً لاستخدامها لتحسين التعليم، بل قد تستخدم لتدعيم الخصائص أو الصفات السلبية التي لا نرضى عنها، ومثال ذلك إذا قدم المعلم موضوعاً لكل الطلاب ليدرسوه جماعياً بواسطة الكمبيوتر، وهو أداة طيبة للتعليم الفردي، وكلنا يعلم أن الطلاب مختلفون في أساليب تعلمهم واستعداداتهم وميولهم، وأن التدريس المعتاد لا يقابل هذه الاختلافات، والمأمول أن يقوم الكمبيوتر بهذا العمل، وكذلك كثر استخدام الكمبيوتر وبرامج التطبيقات في عمل الجداول، والعمليات الإحصائية، وبرامج الرياضيات، والبريد الإلكتروني والاتصال بالإنترنت، وشد ذلك الانتباه بعيداً عن الاهتمام بالقدرات المعرفية اللازمة للإفادة بهذه البرامج وكيفية الإفادة بالكمبيوتر في حل المشكلات واتخاذ القرار.
وكذلك إذا طلب المعلم من الطلاب أن يستعينوا بشبكة الإنترنت دون تبصر فيما يجمعونه من معلومات وكيف يولدون منها معلومات جديدة، فستكون النتيجة مليئة بالأضرار أكثر مما كان يرجو من منافع.
سوء فهم!
كثير من الإخفاق في استخدام التقنية الحديثة راجع إلى سوء فهم التقنية التعليم، تعريفها بأنها الأجهزة والممارسات الخاصة باستخدامها، بدلاً من الرجوع إلى نظرية تربوية معينة، ودليل ذلك يقدمه النظر إلى صفحة محتويات أي كتاب عربي في التقنية التعليم حيث نرى التركيز على الأجهزة وكيفية تشغيلها، وقد لا نجد أثراً للنظريات والمبادئ العلمية التي يقوم عليها استخدامها.
لا ينبغي أن نفكر في إدخال التقنية في التربية، بمعنى أن ينصرف تفكيرنا في أساسه إلى العدد والماكينات والأجهزة؛ مع بقاء نظام التعليم الحاضر القائم كله على أنشطة المعلم أو الذي محوره المعلم، ينبغي أن نفكر في التقنية التعليم بمعنى أن ننظر في كيف نستخدم مصادر التعليم والتقنية استخداماً منظومياً متسقاً في عملية التعليم الأساسية، عملية كيف يتعلم المتعلم، وكيف يفيد مما يتعلمه، أو كيف يحصل المعلومات والحقائق وينتفع بها، بدلاً من أن تقتصر جهودنا في إصلاح منظومة التعليم على زيادة أعضاء هيئة التدريس، مثلاً، وإعدادهم بالشكل الذي كنا نعدهم عليه في الثلاثينيات من القرن العشرين.
ذلك يتضمن تغيير تفكيرنا؛ فبدلاً من أن نجعل أدوات التقنية الحديثة تقوم بالوظيفة التي لا يستطيع المعلم القيام بها فحسب، نجعل المعلم يقوم بالوظيفة التي لا تستطيع هذه الأجهزة والأدوات القيام بها؛ وهذا يستلزم قبول التغيير العميق في مسؤوليات المعلم ومسؤوليات المتعلم، وعندئذ يتوقف اعتبار التقنية مجرد أدوات لتخفف من عبء المعلم التقليدي. ونفكر في طرائق حديثة للتعلم والتعليم كليهما.
استراتيجية جديدة!
تتطلب التقنية الحديثة استراتيجيات خاصة للتعليم والتعلم، أو قل «سياسات»، وتقوم السياسات دائماً على أسس أو مسلمات تتناول كيف يتم التعليم وكيف يؤثر المعلم في سلوك المتعلم، ودور الطالب في هذه العملية، وصلة هذا الدور بقدراته واستعداداته، وكيف ننمي هذه القدرات.
هذه السياسات أو الاستراتيجيات تتراوح في سماتها العامة بين نهايتين، على خط متصل، في طرف منه الاستراتيجية التي تتمركز حول المعلم فيكون هو الذي يعرض المادة العلمية، ويقدم الدليل، ويستنبط، ويشرح وصولاً بالطلاب إلى الأهداف المرجوة وتسمى هذه السياسة سياسة العرض «Expository» إذا نظرنا إليها من وجهة نظر المعلم، أو تسمى سياسة الاستقبال «Reception» إذا نظرنا إليها من وجهة نظر المتعلم. هذه هي استراتيجية الاستنباط التي يقوم فيها المعلم باستخلاص الحقائق والمعلومات وتقديمها للمتعلم.
في الطرف الآخر سياسة تتمركز حول الأهداف التعليمية، حيث يعمل فيها عضو هيئة التدريس موجهاً لعملية التعلم ومديراً لها، فهو يرشد المتعلم إلى مصادر التعلم، ليفكر فيها، ويعالجها، ويستقرئ من بين ثناياها المعلومات ويخرج منها محققاً أهداف التعلم. وتسمى هذه السياسة سياسة الكشف والبحث «Inquiry or Discovery» إذا نظرنا إليها من جانب المتعلم، وتسمى سياسة القيادة «Guidance» والتوجيه إذا نظرنا إليها من جانب المعلم وتجمع الاستراتيجية الممتازة بين هذين الطرفين بدرجات متفاوتة.
مكونات الاستراتيجية
بعد أن يحدد المعلم أهدافه التعليمية ويحدد المحتوى العلمي الذي يحقق هذه الأهداف عليه أن يسأل نفسه الأسئلة التالية؛ ليتمكن من تحديد استراتيجية التعليم المناسبة:
- أي هذه الأهداف يستطيع المتعلم أن يحققها مستقلاً بنشاط تعليمي؟
- أي هذه الأهداف يستطيع المتعلم أن يحققها من خلال التفاعل مع زملائه؟
- أي هذه الأهداف يستطيع المتعلم أن يحققها من خلال العرض التقليدي الذي يقدمه عضو هيئة التدريس بنفسه؟
وتشير هذه الأسئلة إلى نمط التعليم من حيث كونه تعليماً في مجموعات كبيرة، كالمحاضرة العامة، أو تعليماً يتم في مجموعات صغيرة أو تعليماً فردياً لكل طالب على حدة. ويتصل بذلك اختيار التقنية المناسبة طبعاً، وتخصيص الأماكن اللازمة أو المتاحة، والأجهزة والمصادر، وتخصيص الوقت اللازم للدراسة أيضاً، وهي كلها عوامل متداخلة معاً تخرج الصورة الأخيرة لتنظيم عملية التعليم والتعلم.
توفير مستلزمات التنفيذ
تتطلب التقنية الحديثة أن نسأل عما يستلزمه كل نمط من أنماط التعليم الثلاثة التي ذكرناها، لأن هذه المستلزمات بحاجة إلى تخطيط، ولأن هذه المستلزمات تعني مصادر التعلم ووسائله؛ فهي تتصل بتصميم مبنى المؤسسة التعليمية سواء على مستوى الجامعة أو ما قبل الجامعة فلا يصح أن تظل أماكن الدراسة في الكليات مدرجات فقط، أو مجرد حجرات شبيهة بحجرات المنزل العادية، مكاناً لإيواء التلاميذ والطلاب، ولو ظلت كذلك ما أمكن تنفيذ التعليم بالتقنية الحديثة تنفيذاً يحقق أهداف استراتيجية القيادة والتوجيه والتنمية الحقيقية، وإنما يحقق أهداف حفظ المعلومات والحقائق فقط، أهداف استراتيجية العرض، وكذلك تتصل بتصميم أثاث حجرات الدراسة، فإن ظل كما هو الآن مقاعد جامدة ثابتة في صفوف عجز المعلم عن تكوين مجموعات العمل والمناقشة وهكذا.
من المستلزمات أيضاً توفير مراكز مصادر التعلم أو المكتبة الشاملة «Learning Resource Center» على مستوى كل كلية جامعية، وعلى مستوى كل مدرسة، وإلا فكيف نتداول الأجهزة التي تتطلبها التقنية الحديثة، وكيف نتيح استخدامها للطلاب أو التلاميذ؛ وإذا انعدمت مراكز مصادر التعلم أو المكتبة الشاملة انفرد الكتاب المدرسي بعملية التعليم، وزحف حفظ الحقائق والمعلومات، ليغطي على العمليات العقلية الراقية التي يستوجبها تعدد المصادر التعليمية، والتي تؤدي إلى الإبداع.
المعلم الاقتصادي بطبعه
المعلم إنسان، والإنسان اقتصادي بطبعه، يختار الطريق الأقصر، والأقل تكلفة، والأكبر عائداً، والأسهل، والأقل جهداً ما دام يحقق الهدف، وينأى بنفسه عن المتاعب والإرهاق والعنت. وهذا مبدأ عام تقوم عليه الحياة، وتسير عليه كل الإبداعات والتقنية الحديثة، فكيف ندعو عضو هيئة التدريس لاستخدام التقنية الحديثة إذا لم نيسر له سبل استخدامها، ونقدم فيما يلي أمثلة لأنماط التعليم وما تحتاجه من مستلزمات تنفيذ.
نمط المحاضرة
- المكان: مدرج أو حجرة كبيرة تتسع لمائة متعلم أو أكثر.
- مصادر التعلم وأجهزته: إذاعة داخلية ومكبرات الصوت.
جهاز سبورة ضوئية «Overhead pr»
جهاز عرض فيديو، وبرامج مناسبة.
جهاز عرض سينما وأفلام مناسبة.
جهاز عرض شرائح فوتوغرافية.
سبورة طباشيرية.
وما يلزمها من شرائح وأفلام وشفافيات.
نمط المجموعات الصغيرة
- المكان: حجرة متوسطة المساحة، فيها مقاعد غير ثابتة، أو في مركز مصادر التعلم
- مصادر التعلم وأجهزته: جماعة الحوار والمناقشة.
دراسات حالة.
تدريس مصغر.
الاستماع إلى تسجيلات خاصة.
مشروعات جماعية ومجموعات عمل.
أجهزة كمبيوتر وتوصيلات بشبكات المعلومات.
أجهزة عرض صور وشرائح.
أجهزة استماع تسجيلات صوتية.
أجهزة مشاهدة تسجيلات فيديو.
سبورة طباشيرية.
وما يلزمها من برامج وشرائح
نمط التعليم الفردي
- المكان: مركز مصادر التعلم: المكتبة الشاملة، ومقصورات دراسية Carrel، حجرات صغيرة.
- مصادر التعلم وأجهزته: أجهزة كمبيوتر، وبرامج، وتوصيلات بشبكات المعلومات.
أجهزة فيديو تفاعلي.
كتب ومراجع متنوعة.
رزم أو حقائب تعليمية.
معامل خاصة.
إدارة التقنية الحديثة
سواء كانت التقنية الحديثة ستدخل التعليم على نطاق واسع في الجامعة كلها، أو ضيق محدود في كلية معينة، فإنها تحتاج إلى إدارة ناجحة؛ لكي تصبح جزءاً متكاملاً من منظومة التعليم، وذلك يعتمد على جملة عوامل، منها جودة المستحدث التكنولوجي نفسه، والأفراد الذين سيستخدمون هذا المستحدث من معلمين وإداريين، والظروف السياسية والثقافية، والترتيبات الإدارية التي تنظم الإفادة بهذا المستحدث.
وهي موضوعات تحتاج إلى تناول خاص ودراسة دقيقة، وحتى تتاح هذه الفرصة تجدر الإشارة إلى بعض النقاط الهامة التي يجب مراعاتها ودراستها واتخاذ قرار بشأنها لضمان نجاح استخدام التقنية الحديثة وهي:
- أن ممارسات التقنية التعليم تتأثر كثيراً بالإطار الثقافي في البلد الذي تتم فيه، حيث تتأثر بعض العمليات بشكل الثقافة، أو تحتاج إلى عناية خاصة في إطارها، ومن هذه العمليات تصميم التعلم، وهو عملية ديموقراطية في أساسها، ترتبط بمقدار الحرية التي يتمتع بها عضو هيئة التدريس في عمله، وفي تطبيق المبادئ العلمية التي يراها، ومنها أيضاً مجال التقويم من حيث تبني التقويم للإتقان، وهو أساس أصيل من أساسات التقنية التعليم، فقد ترى فيه بعض السلطات تهديداً لتركيبة التعليم الاجتماعية، ومنها نمط التعليم الفردي، وهو مبدأ رئيس مميز لاستخدامات التقنية الحديثة، ويعتمد أساساً على التوجيه الذاتي من المتعلم، وقد لا يتاح ذلك في مجتمع يسوده التلقين وحفظ المعلومات، فالطالب الذي تعود حفظ المعلومات حفظاً صماً ميال لأن يكون تابعاً لغيره.
- ينبغي أن يكون الهدف الأول من التقنية الحديثة هو استخدامها وسيلة للتعليم، لا لتكون هي ذاتها موضوعاً للتعلم مثل الثقافة الكمبيوترية، فإن هذه الثقافة لا تعلم، وإنما تكتسب بممارسة أنشطة التعلم الحياتية.
ولذلك ينبغي أن تؤكد الكلية أو الجامعة أو المسؤولون عن التعليم الجانب التربوي والمحتوى الدراسي في استخدام التقنية. وأن تشجع هيئة التدريس لبذل الجهد في الكشف عن كيف تخدم التقنية التعليم وأهدافه، من خلال استنباط الطرق التربوية الجديدة لاستخدام التقنية، تلك الطرق التي تعتمد على نشاط المتعلم وأهدافه، وتؤكد تنمية قدراته الإبداعية وتكسبه مهارات حل المشكلات، وتشجع الاتجاه البنائي في التعلم.
- تعيين لجنة استشارية تجمع بين معلمي المواد الدراسية، وخبراء التقنية التعليم، والمسؤولين عن التمويل والميزانية.
- من الأفضل ألا نبدأ مشروعاً للإفادة بالتقنية التعليم الحديثة بشراء الأجهزة، صحيح أن تركيب الأجهزة في الكليات أو المدارس شيء جذاب من الناحية السياسية، فهي أجهزة حديثة تعطي انطباعاً بالتقدم، وهي غالباً أجهزة معقدة، تسر الناظرين، يفخر عميد الكلية أو مدير المدرسة أن كليته أو مدرسته دخلت بها عصر البرمجة، ولكننا عندما نبدأ بشراء الأجهزة ستكون الخطوة التالية هي أن نكتشف أن أكثر المعلمين أو أعضاء هيئة التدريس لا يعرفون كيف يجعلونها جزءاً متكاملاً من عملهم الدراسي، ولذلك لا يستخدمونها الاستخدام الحسن، ومن هنا ينشأ إحساس بأن التقنية غير أساسية ولا مفيدة، بل معطلة، وأنها مضيعة للمال؛ فإن توفير الأجهزة أولاً لا يضمن استخدامها لتحسين التعلم، وقد تستخدم في تدعيم التعليم التقليدي المعتاد وما يتصل به من سلبيات.
- يجب البدء في تنفيذ التجربة من خلال نماذج دون البدء بالتصميم فإنه في هذه الحالة سيقوم على توزيع عدد قليل من الأجهزة بالتساوي على كل كليات الجامعة، أو كل أقسام الكلية، وعندئذ سيكون نصيب كل طالب من الوقت للعمل على أجهزة الكمبيوتر قليلاً جداً، ولا يظهر أثر التقنية في التعليم، هذا فضلاً عن تكرار الأخطاء في كل موقع من مواقع التطبيق، ولا يسهل تداركها، بالإضافة إلى ذلك فإن الأجهزة الحديثة عالية التكاليف نسبياً ومتجددة، وتجزئتها على دفعات مطلوبة.
- لابد من البدء بإعداد هيئة التدريس لاستخدام التقنية الحديثة مبكراً، إعداداً لا يقتصر على مجرد تشغيل الأجهزة، بل يجعل التقنية وسيلة لتجويد التدريس، وتنمية القدرات العقلية والفكرية، فهي عملية تستغرق وقتاً، وهي عملية لابد أن تستمر فالتقنية متجددة، والتربية كعملية ومجال بحث متجددة أيضاً.
- الحرص على تخصيص 30% على الأقل من الميزانية المطلوبة لالتقنية التعليم لتدريب المعلمين على استخدامها، فإن كل ساعة من ساعات عمل عضو هيئة التدريس الأسبوعية تخصصها للنمو في استخدام التقنية وتصميم التعليم تضيف بطريق مباشر وغير مباشر ملايين الجنيهات إلى ميزانية التعليم.
- لابد أن يسبق التنفيذ تجربة استطلاعية لنستوثق من الإجراءات والبرامج، وللتأكد من ظروف النجاح، وتفادي الظروف المعاكسة.
- تشجيع الهيئات العلمية والقطاع الخاص خارج الجامعة على إنتاج البرامج.
وكذلك إذا طلب المعلم من الطلاب أن يستعينوا بشبكة الإنترنت دون تبصر فيما يجمعونه من معلومات وكيف يولدون منها معلومات جديدة، فستكون النتيجة مليئة بالأضرار أكثر مما كان يرجو من منافع.
سوء فهم!
كثير من الإخفاق في استخدام التقنية الحديثة راجع إلى سوء فهم التقنية التعليم، تعريفها بأنها الأجهزة والممارسات الخاصة باستخدامها، بدلاً من الرجوع إلى نظرية تربوية معينة، ودليل ذلك يقدمه النظر إلى صفحة محتويات أي كتاب عربي في التقنية التعليم حيث نرى التركيز على الأجهزة وكيفية تشغيلها، وقد لا نجد أثراً للنظريات والمبادئ العلمية التي يقوم عليها استخدامها.
لا ينبغي أن نفكر في إدخال التقنية في التربية، بمعنى أن ينصرف تفكيرنا في أساسه إلى العدد والماكينات والأجهزة؛ مع بقاء نظام التعليم الحاضر القائم كله على أنشطة المعلم أو الذي محوره المعلم، ينبغي أن نفكر في التقنية التعليم بمعنى أن ننظر في كيف نستخدم مصادر التعليم والتقنية استخداماً منظومياً متسقاً في عملية التعليم الأساسية، عملية كيف يتعلم المتعلم، وكيف يفيد مما يتعلمه، أو كيف يحصل المعلومات والحقائق وينتفع بها، بدلاً من أن تقتصر جهودنا في إصلاح منظومة التعليم على زيادة أعضاء هيئة التدريس، مثلاً، وإعدادهم بالشكل الذي كنا نعدهم عليه في الثلاثينيات من القرن العشرين.
ذلك يتضمن تغيير تفكيرنا؛ فبدلاً من أن نجعل أدوات التقنية الحديثة تقوم بالوظيفة التي لا يستطيع المعلم القيام بها فحسب، نجعل المعلم يقوم بالوظيفة التي لا تستطيع هذه الأجهزة والأدوات القيام بها؛ وهذا يستلزم قبول التغيير العميق في مسؤوليات المعلم ومسؤوليات المتعلم، وعندئذ يتوقف اعتبار التقنية مجرد أدوات لتخفف من عبء المعلم التقليدي. ونفكر في طرائق حديثة للتعلم والتعليم كليهما.
استراتيجية جديدة!
تتطلب التقنية الحديثة استراتيجيات خاصة للتعليم والتعلم، أو قل «سياسات»، وتقوم السياسات دائماً على أسس أو مسلمات تتناول كيف يتم التعليم وكيف يؤثر المعلم في سلوك المتعلم، ودور الطالب في هذه العملية، وصلة هذا الدور بقدراته واستعداداته، وكيف ننمي هذه القدرات.
هذه السياسات أو الاستراتيجيات تتراوح في سماتها العامة بين نهايتين، على خط متصل، في طرف منه الاستراتيجية التي تتمركز حول المعلم فيكون هو الذي يعرض المادة العلمية، ويقدم الدليل، ويستنبط، ويشرح وصولاً بالطلاب إلى الأهداف المرجوة وتسمى هذه السياسة سياسة العرض «Expository» إذا نظرنا إليها من وجهة نظر المعلم، أو تسمى سياسة الاستقبال «Reception» إذا نظرنا إليها من وجهة نظر المتعلم. هذه هي استراتيجية الاستنباط التي يقوم فيها المعلم باستخلاص الحقائق والمعلومات وتقديمها للمتعلم.
في الطرف الآخر سياسة تتمركز حول الأهداف التعليمية، حيث يعمل فيها عضو هيئة التدريس موجهاً لعملية التعلم ومديراً لها، فهو يرشد المتعلم إلى مصادر التعلم، ليفكر فيها، ويعالجها، ويستقرئ من بين ثناياها المعلومات ويخرج منها محققاً أهداف التعلم. وتسمى هذه السياسة سياسة الكشف والبحث «Inquiry or Discovery» إذا نظرنا إليها من جانب المتعلم، وتسمى سياسة القيادة «Guidance» والتوجيه إذا نظرنا إليها من جانب المعلم وتجمع الاستراتيجية الممتازة بين هذين الطرفين بدرجات متفاوتة.
مكونات الاستراتيجية
بعد أن يحدد المعلم أهدافه التعليمية ويحدد المحتوى العلمي الذي يحقق هذه الأهداف عليه أن يسأل نفسه الأسئلة التالية؛ ليتمكن من تحديد استراتيجية التعليم المناسبة:
- أي هذه الأهداف يستطيع المتعلم أن يحققها مستقلاً بنشاط تعليمي؟
- أي هذه الأهداف يستطيع المتعلم أن يحققها من خلال التفاعل مع زملائه؟
- أي هذه الأهداف يستطيع المتعلم أن يحققها من خلال العرض التقليدي الذي يقدمه عضو هيئة التدريس بنفسه؟
وتشير هذه الأسئلة إلى نمط التعليم من حيث كونه تعليماً في مجموعات كبيرة، كالمحاضرة العامة، أو تعليماً يتم في مجموعات صغيرة أو تعليماً فردياً لكل طالب على حدة. ويتصل بذلك اختيار التقنية المناسبة طبعاً، وتخصيص الأماكن اللازمة أو المتاحة، والأجهزة والمصادر، وتخصيص الوقت اللازم للدراسة أيضاً، وهي كلها عوامل متداخلة معاً تخرج الصورة الأخيرة لتنظيم عملية التعليم والتعلم.
توفير مستلزمات التنفيذ
تتطلب التقنية الحديثة أن نسأل عما يستلزمه كل نمط من أنماط التعليم الثلاثة التي ذكرناها، لأن هذه المستلزمات بحاجة إلى تخطيط، ولأن هذه المستلزمات تعني مصادر التعلم ووسائله؛ فهي تتصل بتصميم مبنى المؤسسة التعليمية سواء على مستوى الجامعة أو ما قبل الجامعة فلا يصح أن تظل أماكن الدراسة في الكليات مدرجات فقط، أو مجرد حجرات شبيهة بحجرات المنزل العادية، مكاناً لإيواء التلاميذ والطلاب، ولو ظلت كذلك ما أمكن تنفيذ التعليم بالتقنية الحديثة تنفيذاً يحقق أهداف استراتيجية القيادة والتوجيه والتنمية الحقيقية، وإنما يحقق أهداف حفظ المعلومات والحقائق فقط، أهداف استراتيجية العرض، وكذلك تتصل بتصميم أثاث حجرات الدراسة، فإن ظل كما هو الآن مقاعد جامدة ثابتة في صفوف عجز المعلم عن تكوين مجموعات العمل والمناقشة وهكذا.
من المستلزمات أيضاً توفير مراكز مصادر التعلم أو المكتبة الشاملة «Learning Resource Center» على مستوى كل كلية جامعية، وعلى مستوى كل مدرسة، وإلا فكيف نتداول الأجهزة التي تتطلبها التقنية الحديثة، وكيف نتيح استخدامها للطلاب أو التلاميذ؛ وإذا انعدمت مراكز مصادر التعلم أو المكتبة الشاملة انفرد الكتاب المدرسي بعملية التعليم، وزحف حفظ الحقائق والمعلومات، ليغطي على العمليات العقلية الراقية التي يستوجبها تعدد المصادر التعليمية، والتي تؤدي إلى الإبداع.
المعلم الاقتصادي بطبعه
المعلم إنسان، والإنسان اقتصادي بطبعه، يختار الطريق الأقصر، والأقل تكلفة، والأكبر عائداً، والأسهل، والأقل جهداً ما دام يحقق الهدف، وينأى بنفسه عن المتاعب والإرهاق والعنت. وهذا مبدأ عام تقوم عليه الحياة، وتسير عليه كل الإبداعات والتقنية الحديثة، فكيف ندعو عضو هيئة التدريس لاستخدام التقنية الحديثة إذا لم نيسر له سبل استخدامها، ونقدم فيما يلي أمثلة لأنماط التعليم وما تحتاجه من مستلزمات تنفيذ.
نمط المحاضرة
- المكان: مدرج أو حجرة كبيرة تتسع لمائة متعلم أو أكثر.
- مصادر التعلم وأجهزته: إذاعة داخلية ومكبرات الصوت.
جهاز سبورة ضوئية «Overhead pr»
جهاز عرض فيديو، وبرامج مناسبة.
جهاز عرض سينما وأفلام مناسبة.
جهاز عرض شرائح فوتوغرافية.
سبورة طباشيرية.
وما يلزمها من شرائح وأفلام وشفافيات.
نمط المجموعات الصغيرة
- المكان: حجرة متوسطة المساحة، فيها مقاعد غير ثابتة، أو في مركز مصادر التعلم
- مصادر التعلم وأجهزته: جماعة الحوار والمناقشة.
دراسات حالة.
تدريس مصغر.
الاستماع إلى تسجيلات خاصة.
مشروعات جماعية ومجموعات عمل.
أجهزة كمبيوتر وتوصيلات بشبكات المعلومات.
أجهزة عرض صور وشرائح.
أجهزة استماع تسجيلات صوتية.
أجهزة مشاهدة تسجيلات فيديو.
سبورة طباشيرية.
وما يلزمها من برامج وشرائح
نمط التعليم الفردي
- المكان: مركز مصادر التعلم: المكتبة الشاملة، ومقصورات دراسية Carrel، حجرات صغيرة.
- مصادر التعلم وأجهزته: أجهزة كمبيوتر، وبرامج، وتوصيلات بشبكات المعلومات.
أجهزة فيديو تفاعلي.
كتب ومراجع متنوعة.
رزم أو حقائب تعليمية.
معامل خاصة.
إدارة التقنية الحديثة
سواء كانت التقنية الحديثة ستدخل التعليم على نطاق واسع في الجامعة كلها، أو ضيق محدود في كلية معينة، فإنها تحتاج إلى إدارة ناجحة؛ لكي تصبح جزءاً متكاملاً من منظومة التعليم، وذلك يعتمد على جملة عوامل، منها جودة المستحدث التكنولوجي نفسه، والأفراد الذين سيستخدمون هذا المستحدث من معلمين وإداريين، والظروف السياسية والثقافية، والترتيبات الإدارية التي تنظم الإفادة بهذا المستحدث.
وهي موضوعات تحتاج إلى تناول خاص ودراسة دقيقة، وحتى تتاح هذه الفرصة تجدر الإشارة إلى بعض النقاط الهامة التي يجب مراعاتها ودراستها واتخاذ قرار بشأنها لضمان نجاح استخدام التقنية الحديثة وهي:
- أن ممارسات التقنية التعليم تتأثر كثيراً بالإطار الثقافي في البلد الذي تتم فيه، حيث تتأثر بعض العمليات بشكل الثقافة، أو تحتاج إلى عناية خاصة في إطارها، ومن هذه العمليات تصميم التعلم، وهو عملية ديموقراطية في أساسها، ترتبط بمقدار الحرية التي يتمتع بها عضو هيئة التدريس في عمله، وفي تطبيق المبادئ العلمية التي يراها، ومنها أيضاً مجال التقويم من حيث تبني التقويم للإتقان، وهو أساس أصيل من أساسات التقنية التعليم، فقد ترى فيه بعض السلطات تهديداً لتركيبة التعليم الاجتماعية، ومنها نمط التعليم الفردي، وهو مبدأ رئيس مميز لاستخدامات التقنية الحديثة، ويعتمد أساساً على التوجيه الذاتي من المتعلم، وقد لا يتاح ذلك في مجتمع يسوده التلقين وحفظ المعلومات، فالطالب الذي تعود حفظ المعلومات حفظاً صماً ميال لأن يكون تابعاً لغيره.
- ينبغي أن يكون الهدف الأول من التقنية الحديثة هو استخدامها وسيلة للتعليم، لا لتكون هي ذاتها موضوعاً للتعلم مثل الثقافة الكمبيوترية، فإن هذه الثقافة لا تعلم، وإنما تكتسب بممارسة أنشطة التعلم الحياتية.
ولذلك ينبغي أن تؤكد الكلية أو الجامعة أو المسؤولون عن التعليم الجانب التربوي والمحتوى الدراسي في استخدام التقنية. وأن تشجع هيئة التدريس لبذل الجهد في الكشف عن كيف تخدم التقنية التعليم وأهدافه، من خلال استنباط الطرق التربوية الجديدة لاستخدام التقنية، تلك الطرق التي تعتمد على نشاط المتعلم وأهدافه، وتؤكد تنمية قدراته الإبداعية وتكسبه مهارات حل المشكلات، وتشجع الاتجاه البنائي في التعلم.
- تعيين لجنة استشارية تجمع بين معلمي المواد الدراسية، وخبراء التقنية التعليم، والمسؤولين عن التمويل والميزانية.
- من الأفضل ألا نبدأ مشروعاً للإفادة بالتقنية التعليم الحديثة بشراء الأجهزة، صحيح أن تركيب الأجهزة في الكليات أو المدارس شيء جذاب من الناحية السياسية، فهي أجهزة حديثة تعطي انطباعاً بالتقدم، وهي غالباً أجهزة معقدة، تسر الناظرين، يفخر عميد الكلية أو مدير المدرسة أن كليته أو مدرسته دخلت بها عصر البرمجة، ولكننا عندما نبدأ بشراء الأجهزة ستكون الخطوة التالية هي أن نكتشف أن أكثر المعلمين أو أعضاء هيئة التدريس لا يعرفون كيف يجعلونها جزءاً متكاملاً من عملهم الدراسي، ولذلك لا يستخدمونها الاستخدام الحسن، ومن هنا ينشأ إحساس بأن التقنية غير أساسية ولا مفيدة، بل معطلة، وأنها مضيعة للمال؛ فإن توفير الأجهزة أولاً لا يضمن استخدامها لتحسين التعلم، وقد تستخدم في تدعيم التعليم التقليدي المعتاد وما يتصل به من سلبيات.
- يجب البدء في تنفيذ التجربة من خلال نماذج دون البدء بالتصميم فإنه في هذه الحالة سيقوم على توزيع عدد قليل من الأجهزة بالتساوي على كل كليات الجامعة، أو كل أقسام الكلية، وعندئذ سيكون نصيب كل طالب من الوقت للعمل على أجهزة الكمبيوتر قليلاً جداً، ولا يظهر أثر التقنية في التعليم، هذا فضلاً عن تكرار الأخطاء في كل موقع من مواقع التطبيق، ولا يسهل تداركها، بالإضافة إلى ذلك فإن الأجهزة الحديثة عالية التكاليف نسبياً ومتجددة، وتجزئتها على دفعات مطلوبة.
- لابد من البدء بإعداد هيئة التدريس لاستخدام التقنية الحديثة مبكراً، إعداداً لا يقتصر على مجرد تشغيل الأجهزة، بل يجعل التقنية وسيلة لتجويد التدريس، وتنمية القدرات العقلية والفكرية، فهي عملية تستغرق وقتاً، وهي عملية لابد أن تستمر فالتقنية متجددة، والتربية كعملية ومجال بحث متجددة أيضاً.
- الحرص على تخصيص 30% على الأقل من الميزانية المطلوبة لالتقنية التعليم لتدريب المعلمين على استخدامها، فإن كل ساعة من ساعات عمل عضو هيئة التدريس الأسبوعية تخصصها للنمو في استخدام التقنية وتصميم التعليم تضيف بطريق مباشر وغير مباشر ملايين الجنيهات إلى ميزانية التعليم.
- لابد أن يسبق التنفيذ تجربة استطلاعية لنستوثق من الإجراءات والبرامج، وللتأكد من ظروف النجاح، وتفادي الظروف المعاكسة.
- تشجيع الهيئات العلمية والقطاع الخاص خارج الجامعة على إنتاج البرامج.