بسم الله الرحمن الرحيم
" مذهب اهل السنة و الجماعة في صفة اليدين لله تعالى "
*ومن صفات الله تبارك وتعالى التي يثبتها أهل السنّة والجماعة صفة اليدين وقد أنكرها المعتزلة والمتأخرون من الأشاعرة، أمّا المتقدّمون من الأشاعرة فإنّهم يثبتون اليدين يثبتون الوجه والعينين، ودليل أهل السنّة والجماعة على إثبات صفة اليدين آيات من القرآن وأحاديث نبويّة كثيرة جدّا، يقول تبارك وتعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} هكذا قال لإبليس ويقول الله تبارك وتعالى {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} هل أنكر الله على اليهود أنّهم أثبتوا اليد؟ ما أنكر عليهم، بل زاد عليهم هم قالوا يد فقال سبحانه {بل يداه مبسوطتان} ولكنّه أنكر عليهم قولهم مغلولة فأقرّهم على إثبات اليد بل زاد على قولهم، وأنكر عليهم أنّهم وصفوا يد الله بأنّها مغلولة أي محبوسة عن الإنفاق وقد حرّفت الجهميّة قوله تعالى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ومنهم من قال بيدي هنا يعني بذاته بنفسه أي ما منعك أن تسجد لما خلقت أنا ومنهم من قال بيدي تعني القدرة أو النعمة فكيف نرّد على من زعم أنّ اليدين هنا القدرة أو النعمة؟ نقول لهم أوّلا لا يجوز الخروج عن ظاهر اللفظ إلا لدليل وليس عندكم دليل على الخروج عن ظاهر اللفظ، ما عندكم إلا الفلسفة وعلم الكلام والأوهام والأباطيل، ليس عندكم أدلّة من القرآن ولا من السنّة تنفي صفة اليدين لله تبارك وتعالى ولا من إجماع السلف ولا من آثار السلف بل إنّ السلف أجمعوا على إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى وقد قرؤوا القرآن وأقرّوا هذه النصوص على ظواهرها ولو كانت على غير ظاهرها لبيّن ذلك السلف ثمّ نقول لهم إنّ الله سبحانه وتعالى بيّن لإبليس أنّه قد فضّل آدم بأنّه قد خلقه بيديه فلو كان معنى اليدين القدرة لم يكن بذلك تفضيل لآدم على إبليس لأنّ الله خلق إبليس أيضا بقدرته وكذلك النعمة ونقول لهم لا يعبّر في اللغة العربية بالاثنين عن الواحد ولا الجمع والقدرة صفة واحدة ونعم الله لا تحصى فعلى قولهم يصير المعنى ما منعك أن تسجد لما خلقت بقدرتيَّ أو بنعمتيَّ وهذا لا يستقيم، ونجيبهم أيضا بأنّ اليد إذا جاءت بمعنى النعمة أو القدرة لا يمكن أن يقترن بها البسط أو المسك أو القبض أو الأخذ وقد جاءت النصوص تذكر ذلك البسط والمسك والقبض وتذكر اليمين والكفّ والأصابع فقد جاء في الصحيحين عن بن مسعود قال "جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أو يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرضين على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له ثم قرأ { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }" رواه البخاري ومسلم واللفظ له –أي لمسلم-
أمّا الردّ على من زعم أنّ اليدين بمعنى الذات والنفس نقول جوابا على هذه الشبهة إنّهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد كقوله تعالى {بما قدّمت يداك}، {قدمت أيديكم }، {مما عملت أيدينا أنعاما} أمّا إذا أضاف الفعل إلى الفاعل وعدّى الفعل إلى اليد بحرف الجرّ الباء كقوله بيديّ أو بيدي فإنّه نص في أنّه فعل الفعل بيديه ولهذا لا يجوز لمن تكلّم أو مشى أن يقال فعلت هذا بيديك ويقال هذا فعلته يداك لأنّ مجرّد قوله فعلت كافٍ في الإضافة إلى الفاعل فلو لم يرد أنّه فعله في يدي حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة
إذن أعيد، كيف نرّد عليهم إذا حرّفوا اليدين إلى الذات وزعموا أنّ معنى {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} أي أنا، نقول أنّهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد، العرب إذا أرادت ذلك أضافت الفعل إلى اليد كقوله تعالى {بما قدّمت يداك}، {قدمت أيديكم }، {مما عملت أيدينا أنعاما}، أمّا إذا أضاف الفعل إلى الفاعل وعدّى الفعل إلى اليد بحرف الجرّ الباء كقوله بيديّ فإنّه نص في أنّه فعل الفعل بيديه ولهذا لا يجوز لمن تكلّم أو مشى أن يقال فعلت هذا بيديك ويقال هذا فعلته يداك لأنّ مجرّد قوله فعلت كافٍ في الإضافة إلى الفاعل فلو لم يرد أنّه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة
" مذهب اهل السنة و الجماعة في صفة العينين لله تعالى "
*ومن الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة وينكرها المعتزلة والمتأخرون من الأشاعرة صفة العينين لله تبارك وتعالى فقد قال سبحانه وتعالى {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، وقال {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} –الدسر المسامير-، {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} أي مصحوبة بنظرنا ومرأى من أعيننا وحفظ لها من الغرق وقال {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي بمرأى منّي بعيني وفي حفظي وكلائتي، هذا هو ظاهر هذه النصوص {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} بحفظي وكلائتي، ولكن يفهم من ذلك إثبات العينين لله تبارك وتعالى وإن قيل هنا العين مفردة ولكن المفرد المضاف يفيد العموم {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} و{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} جاءت بصيغة الجمع من باب التعظيم أو لأنّ أقل الجمع اثنان وإن كان المعنى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} الرعاية والحفظ ولكن يفهم من ذلك أيضا إثبات العين لله تبارك وتعالى لأن المعنى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} بمرأى منّي بعيني وفي حفظي وكلائتي، و{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي مصحوبة بنظرنا ومرأى منّا بأعيننا وحفظٍ لها من الغرق، والعرب لا يمكن أن تضيف العين لحيّ ليس له عين حتّى ولو جاءت الإضافة بمثل هذه التعبيرات وفي صحيح البخاري ذُكِر الدجّال عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال (إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور - وأشار بيده إلى عينه - وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية) قد فهم السلف الصالح من هذا الحديث أنّ لله عينين اثنتين وأجمعوا على ذلك فقد أثبت العينين عثمان بن سعيد الدارمي وبن خزيمة وأبو الحسن الأشعري و وابن تيمية وابن القيّم ونقل أبو الحسن الأشعري إجماع السلف على إثبات العينين لله تبارك وتعالى وأهل التعطيل حرّفوا هذه النصوص وقالوا المقصود بالعين الرؤيا وهذا لا يجوز في اللغة العربية أن يقصد بالعين الرؤيا بدون عين وقوله مخالف لظاهر اللفظ بدون دليل ومخالف لإجماع السلف ويقول الله تبارك وتعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} وقد تكلّمنا عن صفة السمع والبصر لله تبارك وتعالى في ما سبق، ويقول {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء }، وَيقول: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}، وَيقول: { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } وَيقول: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} وَيقول: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وَيقول: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}
فمن صفات الله تبارك وتعالى السمع والبصر