سليمان الدويش / هل أوشكت الساعة أن تقوم ؟
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ) , قال رجل : وكيف إضاعتها يا رسول الله ؟ , قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) .
وجاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أمام الدجال سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الرويبضة ) , قيل وما الرويبضة ؟ , قال : ( الفويسق يتكلم في أمر العامة ) , وعند ابن ماجة رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة ) , قيل وما الرويبضة ؟ , قال : ( السفيه يتكلم في أمر العامة ) , وفي رواية أخرى له قال : قيل : وما الرويبضة ؟ , قال : ( الرجل التافه في أمر العامة ) , وجاء في شرح السندي لسنن ابن ماجة قال : " ( الرويبضة ) بالتصغير ، وقوله : ( في أمر العامة ) متعلق بـ " ينطق " والتافه الحقير اليسير ، أي : قليل العلم " .
والحقيقة أن من يتأمل واقعنا الذي نعيشه , ويرى ممارسات بعض من أوكلت إليهم المسؤولية , في التربية والتعليم , وعلى رأسهم الوزير وبعض نوابه ومساعديه , أو في الإعلام بجميع وسائله , وعلى رأسه وزيره , وكثير من المشتغلين فيه , أو في وزارة العمل , وعلى رأسها وزيرها , يرى أننا وللأسف الشديد أمام فئات مدلسة , والمسؤولية في الدوائر التي أشرت إليها قد أسندت إلى من ليس أهلاً لتحملها , وهذا ما يجب أن يقال بجلاء , لأننا لو جاملنا فيه , أو قلنا غيره , لكنا ممن يخون أمته , ويشارك هؤلاء في جنايتهم عليها .
التربية والتعليم تتجه إلى مزلق خطير , ووزيرها يفرض أجندة لا تتفق مع السياسة التربوية والتعليمية أبداً , وهو مع هذا يتجاوز في الإساءة بنسبة تلك التصرفات الخرقاء للملك شفاه الله , ويزعم أنه من يرعاها ويوجِّه بها , وهذا محض افتراء , لأن الملك قد عاهدنا على أن يقيم فينا شريعة الله , وألا يتجاوزها , وأن يكون مرجعه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وكون الوزير من أبناء الأسرة الحاكمة , ومرتبط بنسب مع الملك شفاه الله , لا يعني أن ما يقوله صحيح بإطلاق , كما لا يُخوله أحقية فرض رؤاه الخاصة على التعليم , أوفرض ما تتقبله نفسه , وما لا يكرهه لمن تحت يده , من آراء أوتصرفات يراها بزعمه غير مخالفة للشريعة , أو يدعي أن إنكارها منطلق من مبدأ الشك , لأنه ليس عالماً بالشريعة , ولا يملك من المؤهلات ما يخوله للإفتاء , كما إن اتهامه لمن خالفه بالشك في أهله يدل على عدم مبالاته بالمسؤولية , وأنه يتمتع بكمية من الصلف تجعله لا يفرق بين العمل العسكري والتربوي , ثم إنه بخروقاته المتكررة , وعدم مراعاته للسياسات العليا , التي عنيت بالتربية والتعليم , يؤكد أن من عارض التعليم النظامي للمرأة كان مُحِقَّا , لأنه لم يعارضه رغبة في أن تعيش المرأة جاهلة , وإنما عارضه لخوفه من أن تتجه قاطرة التعليم إلى حيث نشاهده اليوم , ولكنه حين اطمأنت نفسه إلى أن التعليم سيكون بإشراف أهل العلم تغيرت مواقفه , إلا أن هذا الأمر لم يستمر وللأسف , فهاهو تعليم المرأة يوكل إلى من لا تبرأ بهم الذمة , وبهذا يكون تخوُّف مَن عارضه في محله , وها هي وزارة التربية والتعليم تفجعنا كل يوم برزية .
إن على وزير التربية والتعليم أن يدرك أنه ليس من حقه أن يعرِّض بمن خالفه بهذه الطريقة الفجَّة , وهو يعلم أنه مهما بلغ في المنزلة والشأن , فلن يبلغ قلامة ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومع هذا قال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم : ( على رسلكما إنها صفية بنت حيي ) , لأنه خاف أن يقذف الشيطان في قلوبهما شيئاً , فإذا كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو من هو في علو مقامه , وعصمته وعفته , فغيره من باب أولى أن يدفع التهمة عن نفسه , وأن يبتعد عن جوانب الشك والإثارة , لا أن يتهم من يوقفه على الطريق الصحيح بالشك في أهله .
كما إن الوزير ليس في مدينة تدريب عسكرية , يقوم نظامها على الطاعة العمياء , وليس في دائرة خاصة به , لا يعمل فيها غيره , وتقع تحت ملكه الخاص , بحيث يفرض فيها قناعاته , وإنما هو موظف كسائر الموظفين , أوكلت إليه مهمة خدمة الناس , والقيام على مصالحهم , وهم ليسوا ملك يمينه بحيث يتحكم فيهم ,كما إنه لا يصرف عليهم من جيبه , ولهذا فمسؤوليته تحتِّم عليه أن يراعي ظروفهم , وأن يتسع صدره لمقابلتهم , وحسن التخاطب معهم , والحضور إليهم في أوقات الدوام الرسمي , وعدم تعطيل مصالحهم بكثرة المرجعات , فإن كان غير قادر على ذلك , فقد جعل الله له سبيلا بالاستقالة والتنحي , ففي الأمة من الرجال الأكفاء من يقوم بهذه المهمة باقتدار .
إن إقدام الوزير ومعه سيء الذكر عبد العزيز السبيل , على مقابلة الطلاب والطالبات وجها لوجه , وخلطهم في صالة واحدة , بدعوى الحوار , وتذمرهم ممن يأتيهم ناصحا ومحتسبا , يؤكد أنهم أبعد الناس عن أساليب الحوار , وفاقد الشيء لا يعطيه , وهذه الخطوة منهم بادرة خطيرة , وقبلها كان الوزير يتحدث بتبجُّح أنه هو من وجَّه نائبته بزيارة مدرسة ذكورية , في حين كان المسؤولون في الوزارة وقتها يقولون : إنه تصرف فردي منها , مما يؤكد التخبط الواضح في هذه الوزارة , والفوضوية في التوجيهات , فضلاً عن بعض البهلوانيات التي يمارسها من لا علاقة لهم بالتربية والتعليم بشكل رسمي , وإنما لروابط الصلة بالوزير , وهي بهلوانيات لا تخفى على متابع , وتدخلات تجعل الناظر لها يسأل : مَن الوزير ؟ هو ! أم هي !!!! أم هم ! .
إن من أعجب ما يسترعي انتباهك , وأنت تسمع وتقرأ ما يتحفنا به الوزير من تصريحات , حديثه عن تغير الزمان والعالم من حولنا , بمعنى أننا يجب أن نواكبه , وأن ننفتح عليه , وهذا أمر مضحك جداً , لأن وزارة التربية والتعليم , التي يرى وزيرها ضرورة الانفتاح على العالم ومواكبته , هي من أضعف الوزارات تطبيقاً لهذا المبدأ , إلا إن كان الأمر يتعلق بالتفاهات والبهلوانيات , فإن الحال يتغيَّر تماماً , فتجدهم في هذا الباب فرساناً مضمَّرة , والدليل على تخلُّفهم عن مواكبة المرحلة , وإخفاقهم في تطبيق تلك التصريحات , واقع كثير من المدارس الحكومية , خاصة ونحن مقبلون على فصل الصيف , ذلك الفصل الذي أضحى كابوساً عند الطلاب والمعلمين , فزيادة على سوء كثير من البنايات , وتهالك بعضها , هاهي شدة الحر , وقلة المياه الصالحة للشرب , وكثرة الأعداد في الفصول , لم تجد حلاً , بل وتؤكد أن الوزارة لا تكترث لهذه الأمور , ولا ترفع بها رأساً , وإنما انكبَّت تلاحق المهرجانات , وتبحث عن الفعاليات المختلطة , وتعقد الندوات والمؤتمرات , وتنفق المليارات على أمور ثانوية , أو غير مدروسة , وإذا كانت هذه حال التعليم في بلادنا فما ظنك بمخرجاته ؟ .
إن العصر الذي يتحدث عنه الوزير , يجب ألا يفهم منه ومن مواكبته , الاختلاط , وكشف وجه المرأة , وجلوسها مع الرجال الأجانب وحدها , أو مع محرم وهي متبرجة , ولا مصافحة الأجانب , أوالسفر معهم بلا محرم , أوحضور ملتقياتهم , لأن نظرته للعالم إن كانت بهذا الإطار , فتلك وربي نظرة تدل على ضيق أفق , وبُعْدٍ عن الواقعية , وتسطيح للعقول , بل يجب أن يفهم من العصر ومواكبة , إتقان العمل , والتزام الموظف مهما كانت رتبته بمواعيد الدوام الرسمي , وأن يكون قدوة لغيره في الانضباط , وعدم الغياب , وإن كان غيابه لعذر فيجب عليه أن ينيب من يقوم بعمله دون تعطيل , وأن يتماشى مع ما تنص عليه السياسات المعتمدة , وأن يتعامل مع الناس على أساس أنه خادم لهم , وأن يمنع التدخلات من أي أحد مهما كانت الرابطة بينه وبينه , وألا يحابي في عمله أحداً عن أحد , وأن يهتم في الأولويات , وألا يجعل من مجال عمله ميدانا لفرض قناعاته الشخصية , أو ما يُمليه عليه المحيطون به , أو من لهم عليه نعمة يَرُبُّونها , وأن يسعى لحل المشكلات القائمة , وأن يتعامل بالشفافية التامة , والمحاسبة الدقيقة , لاسيما وأن ميزانية التعليم من أضخم الميزانيات , فإن قصَّرت عن تأمين برادة ماء يشرب منها الطلاب والطالبات , ومكيفات تخفف عنهم لهب سموم الصيف , وبنايات تقيهم شدة الحر والبرد , بله سقوط الأسقف فوق الرؤوس , فإن هذا يعني أن المواكبة فُهمت على غير ما يجب أن تكون , فهل ياترى فهِم الوزير المواكبة بطريقةٍ عادلة ؟ .
لعل قائلاً يقول : " هذا تحامل على الوزير , وأنتم لم يسلم أحد من نقدكم , واتهامكم للوزير لأنه لم يتفق مع توجهاتكم , وهجومكم عليه لأنه يريد الانفتاح " , وللرد على الكلام السابق أقول : " مالجديد الذي تحقق في عهد هذا الوزير مما يخدم التربية والتعليم ؟ " .
لقد آن الأوان أن يعلم الوزير وغيره أن أمانة التربية والتعليم أمانة عظيمة , وأن من تقاعس عن حملها , أو حاول بقصد أو بغير قصد , أن يسيء إليها , أو يحرفها عن مسارها , أو يجعلها متماهية مع أجندات خاصة , لا تتفق والسياسات العليا , فإن بين يدي تلك المرحلة خطوطاً حمراء , لا يجوز المساومة عليها , ولا إخضاعها للأمزجة والرغبات , ولا للتعسفات وتصفية الحسابات , ذلك لأنه يعمل معاول الهدم في شرعية هذا الدولة , وينخر في أسسها التي قامت عليها .
كما إن دعاوى الإصلاح التي يحتمي خلفها كثير من المخادعين زوراً , لا يمكن أن تنطلي على الغيورين الصادقين , وذلك لأن الادعاء وحده لا يكفي , والإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يأتي من خلال بوابات الفتنة والشر, ونحن في هذا المجتمع المسلم المحافظ , لا يمكن أن نجد إصلاحا أعظم في حقيقته وشموليته من منهج الإسلام وتعليمه , تلك التعاليم التي يعرفها العالمون بالدين , والتي لا يجوز أن تخضع لتأويلات الجهلة , وأنصاف المتعلمين , بل تؤخذ من الكتاب والسنة , وعلى فهم السلف الصالح , وبما يقرره العلماء المعتبرون , الذين أمر الله بالأخذ عنهم وسؤالهم , لأننا لو أذِنَّا لأنفسنا بتجاوز هؤلاء على أساس أننا يجب ألا نحصر أنفسنا برأي واحد - وهي حيلة يلجأ إليها من يريد التفلت - فإننا بذلك , إما أن نسمح لكل من أراد تجاوز رأي العلماء إلى رأي غيرهم , بما لو أخذ به لأصبحت كثير من أنظمتنا ومصالح مجتمعنا في مهب الريح , أو أن نمنعه من الأخذ بتلك الآراء , لمخالفتها ما عليه علماؤنا , وما نصت عليه أنظمتنا وتعليماتنا , وعليه فالسماح له بالأخذ بما يخالف رأي العلماء فتنة , ومنعه يقضي على شبهة من يرى أننا يجب ألا ننحصر برأي واحد , وبهذا يجب أن تخضع ممارسات وزارة التربية والتعليم لرأي العلماء في هذه البلاد , وأن تكف عن الاستفزازات المتكررة , والاجتهادات غير المتزنة , التي لا يمكن تصنيفها إلا على أساس أنها فرض لأجندة مشبوهة تريد تغيير هوية هذه البلاد , خاصة إذا انضاف إليها السعي الحثيث من قبل بعض النافذين , ممن عرف بتوجهاته السيئة , وحقده المتأصل على الخير وأهله , ورغبته الجامحة في تغريب المجتمع بأسرع ما يمكن .