لعل من أهم عوامل نجاح العملية التعليمية أن تتم في جو من الرضا والراحة النفسية، والاقتناع بما نعمل نابعاً من الإخلاص والنية الصادقة. ولو تأملنا أقطاب العملية التعليمية ومحاورها لوجدنا أنها (إدارة، منهج، معلمة، طالبة). وبناء على إيماني بأن أهم هذه المحاور، بل ولعله المحور المحرك لها جميعاً، هو «المعلمة» وانطلاقاً من واجبي كمعلمة أولاً وعضو في الإرشاد الطلابي ثانياً فإني أقدم خلاصة جهدٍ متواضع لأخواتي المعلمات، وكذلك زملاء المهنة من المعلمين.
أولاً: المعلمة القدوة:
كيف تتركين بصماتك على المنهج.. على الطالبة.. الزميلات.. المدرسة؟
تبدو الإجابة واضحة، أن تكوني معلمة ذات قدوة صالحة في لباسك، ألفاظك، علاقاتك استغلال وقتك.. ولنضرب لذلك أمثلة:
- لا يمكن أن تكون المعلمة القدوة بذيئة اللسان، فابتعدي كل البعد عن الألفاظ النابية غير اللائقة بك كمعلمة. فأنت إذا تلفظتِ بذلك يعني أنك تعطين الضوء الأخضر للطالبة بالرد عليك بالمثل.
- استشعري دائماً بأنك أخت كبرى أو أم للطالبة، فإن هذا الشعور سيجعل معاملتك لها نابعاً من الأخوة والمصلحة وليس التسلط واستشعار القوة تجاه الطالبة، وحتى يمكن أن تتأثر بك الطالبة عليك بالانبساط والتلطف والبشاشة بعد التأديب والمعاقبة، واشعريها أن ما قصدته من العقوبة هو خيرها وسعادتها وصلاح أمرها.
- كوني قدوة ومثلاً جيداً للطالبة من خلال علاقاتك بزميلاتك من المعلمات:
أ- لا تتبادلن النقاش واختلاف وجهات النظر أمامهن؛ لأن ذلك يهز ثقتهن بك.
ب- لا تسمحي لأي طالبة بالنيل من معلمة أخرى أمامك؛ لأن أول من سيسقط من عين الطالبة هو أنت أيتها المعلمة التي سمحتِ بالنيل من زميلتك.
ج- ابتعدي عن الضحك بصوت عال، والذي لا يليق بالجو المدرسي.
- كوني معلمة واثقة بنفسك، فلا تبدي أي نوعٍ من الخوف من المشرفة التربوية أمام طالباتك مهما كان الأمر:
أ- سوف تحضر لكم المشرفة الحصة الفلانية، جميعكن ارفعن أيديكن حتى وإن كنتن لا تعرفن الإجابة.
ب- غير معتادة على استخدام وسيلة ولكنك تستخدمينها في حضور المشرفة.
ج- تشرحين الدرس أمام المشرفة بطريقة مختلفة عما اعتدتِ عليه.
قد يدفعك إلى هذه التصرفات حرصك في الحصول على رضا المشرفة. ولكن السؤال هنا: ما الأهم؟ نظرة المشرفة لك، والتي تقتصر على فترة معينة أم نظرة طالباتك اللاتي تلازمينهن يومياً؟ ستجدين منهن من تقول: إن المعلمة الفلانية لم تفعل ذلك إلا عندما حضرت المشرفة، وهذا يعني أنك تفقدين احترام الطالبة وثقتها بك.
- احترامك للوقت وحرصك على استغلاله داخل المدرسة ينقل هذا الشعور للطالبة، فالطالبة عادة تتأثر بما يصدر عن معلمتها، بل وتميل أحياناً إلى تقمص شخصيتها ويمكنك استغلال وقتك بطريقة مثلى بهذه الوسائل:
أ- تبقَّى هناك متسع من الوقت بعد شرح الدرس: قد ترين أنه من الأفضل حمل الطالبات على حل الواجب، هذا ممكن ولكن ليس دائماً وخصوصاً في المرحلة الثانوية، حيث يفضل أن تجعل المعلمة من هذا الوقت فرصة لمناقشة الطالبات في بعض المبادئ والحقائق، وتبادل وجهات النظر لتتسع مداركهن حول موضوعات مهمة مثل (الغياب، الإذاعة، الشخصية، طريقة المذاكرة، كثرة المخالفات، سمات الشعوب المتحضرة، الأخلاق، الأنشطة المدرسية، صلاة الجماعة) ويتم ذلك من خلال طرح سؤال ومناقشتهن فيه وتوجيههن بطريقة غير مباشرة، دون أن تكوني واعظة، إن هذا الاسلوب مُجْدٍ في انتقاء الفكرة الصحيحة، و في تشبع الطالبة بالمبادئ والقيم من خلال دمج التوجيه بالمداعبة.
ب- حصص الاحتياطي يمكن أن يتخذ منها فرصة لتنمية مواهب الطالبات والسمو بأخلاقهن.. كيف؟
ج- اصحبي معك مسجلاً للاستماع لندوة أو محاضرة مع الطالبات دون أن تفرضيها عليهن:
قولي مثلاً: أنا أحب أن أستمع إلى هذا الشريط من يحب أن يشاركني - لم أجد فرصة للاستماع لهذا الشريط في البيت هل تسمعنه معي.. من لا تحب الاستماع يمكنها الاستفادة من وقتها بما تشاء ولكن بهدوء.
د- خذي معك بعض الكتيبات الصغيرة المشوقة، اقرئي فيها وأثيري حماس الطالبات لاستعارتها منك من خلال حديثك عنها.
هـ- حضرت معلمة الرياضيات حصة احتياطي لأحد الفصول، من الممكن أن تطرح عليهن لغزاً رياضياً بسيطاً (بعيداً عن الجو المدرسي) يثير تفكيرهن «هنا تضرب المعلمة مثلاً طيباً لاطلاعها وسعة ثقافتها، مما يجعل الطالبة تميل إلى القراءة والتثقيف خارج المنهج». وليكن ذلك في جو مشع بالمرح والفائدة في الوقت نفسه.
و- يمكن استغلال حصص الاحتياطي بعمل مسابقة بين طالبات الفصل (أعدت مسبقاً) تصحبها المعلمة معها.
ز- يمكن أن تضرب المعلمة مثلاً رائعاً في الاهتمام بالوقت من خلال تنظيم جماعة تحفيظ القرآن في المصلى للمعلمات، فإذا ما شاهدت الطالبة معلمتها على هذا القدر من الاهتمام بالوقت والقرآن ترك ذلك أثراً طيباً في نفسها بطريقة غير مباشرة.
- ابتعدي عن الروتين، وكوني ذات فكر متجدد، شاوري طالباتك في اتخاذ القرارات في بعض الأمور التي تهمهن: مواعيد الاختبارات الشهرية، نوعية الأسئلة، ما تنوين تقديمه في الإذاعة المدرسية، مستواهن الدراسي.
وهذا لا يقتصر فقط على الطالبات، بل وكذلك زميلاتك المعلمات، تبادلن الأفكار والآراء، وتذكري جيداً أن كثيراً من الأفكار الرائعة والقيمة وئدت؛ لأن صاحبها كان أنانياً، فلم يعط أحداً الضوء الأخضر للمشاركة، ولذلك تراكمت عليها الأتربة وصارت في طي النسيان.
- ليكن التزامنا بالدين منعكساً على تصرفاتنا، فهناك الصدق في الوعد، التواضع في الحديث، لين الجانب، توافق السلوك مع القول، اجتناب الألفاظ النابية، التسامح، العفو، كل ذلك يجعل منك معلمة جديرة بالاحترام.
- تقوية الصلة بين المعلمة والطالبة:
من القواعد التربوية المجمع عليها لدى علماء الاجتماع والنفس والتربية تقوية الصلة بين المربي والمتعلم؛ ليتم التفاعل التربوي على أحسن وجه، فإذا كانت هناك فجوة بين الاثنتين (الطالبة والمعلمة) فلا يمكن أن يتم تعليم جيد أو تتحقق تربية مرجوة، وتتم هذه الصلة بعدة وسائل منها الملاطفة والتبسم، روى الترمذي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» ومنها التشجيع بالهدية والكلام قال صلى الله عليه وسلم «تهادوا تحابوا».
ثانياً: أنت والطالبة وجهاً لوجه:
حيث إن شخصية المعلمة هي الأساس الذي من خلاله تكتسب الطالبة المعلومات والمهارات، فمن المهم جداً أن تحافظ المعلمة على اتزان شخصيتها في تعاملها مع الطالبة، ومن المناسب أن تركز المعلمة في الأيام الأولى مع الطالبات على الأداء السلوكي المتزن والمنضبط أكثر من تركيزها على المعلومات والمادة العلمية. ففي الأيام الأولى تأخذ الطالبة انطباعاً عاماً عن شخصية المعلمة، ما إذا كانت متساهلة أو متشددة أو متزنة. فالمعلمة المتهاونة «ضعيفة الشخصية» تجد صعوبات في تعاملها مع الطالبات وضبط الفصل، ومهما حاولت بعد ذلك التغيير من أسلوبها وشخصيتها لن تفلح، فالطالبات أخذن انطباعاً عاماً عنها منذ أول لقاء.
وإليك بعض المواقف التي تواجهها المعلمة كثيراً، وتحتاج إلى التعامل المناسب ليتحقق الهدف التعليمي والتربوي المنشود.
الإجابة عن تساؤلات الطالبات:
لتكن لك شخصيتك المتميزة، تعمدي تحين الفرص لتنمية شخصية الطالبات وإكسابهن الفكر المستنير، سواء كان من خلال طرح قضايا للنقاش أو الرد على تساؤلاتهن، مثلاً: يكثر في الأيام التي تسبق الاختبارات تساؤل الطالبات عن نوعية الأسئلة، وتتلمس الطالبات منك أن تكون الأسئلة سهلة، فكيف تجيبين عليهن:
- سوف تكون الأسئلة بسيطة وسوف تنجحن جميعاً.
- سوف تكون الأسئلة صعبة ولن تنجح إلا الطالبة الممتازة.
- سوف تكون الأسئة منوعة لمراعاة الفروق الفردية بينكن.
بإمكان المعلمة أن تريح نفسها بالرد على الطالبة بأي من تلك الإجابات السابقة، ولكن ألا ترين معي أن هناك أسلوباً أفضل من هذه الإجابات؟
من الأفضل أن تجيب الطالبة بنفسها عن السؤال... كيف؟
قولي لهن مثلاً: هل ترضين أن أضع أسئلة سهلة جداً، ومستواكن الدراسي ممتاز؟
هل أنتن في نفس المستوى من التفوق؟
هل من العدل أن تتساوى الطالبة الممتازة والمميزة مع جميع الطالبات.. هل ترين ذلك عدلاً؟
يمكن أن تتوجهي بالسؤال إلى طالبة ممتازة. سوف يكون هناك حوار ونقاش بين المعلمة والطالبات وبين بعضهن البعض، وينبغي أن يكون ذلك في جو من الحرية، وإعطائهن فرصة لإبداء رأيهن.
استئذان الطالبة للخروج أثناء الحصة:
ينبغي أن تكون كل تصرفات المعلمة مع طالباتها نابعة من حرصها عليهن، فمن ذلك عدم إخراجها من الفصل حتى لا يفوتها شيء من الدرس مهما كان السبب، كأن تستأذن لإحضار دفتر وإرساله إلى زميلة أخرى، أو الذهاب للاختبار في فصل آخر أو غير ذلك. لماذا؟ لأن هذا يفوت على الطالبة جزءاً من الدرس، فضلاً عن إحداث فوضى في المدرسة، والأهم من ذلك كله استشعار الطالبة بأن المعلمة غير ملتزمة وذات شخصية سهلة ولا يهمها مصلحة الطالبة.
تأخر الطالبة عن الحصة:
على المعلمة عدم التغاضي عن أي تصرف خاطئ يصدر من الطالبة بهدف إرضائها. ولنضرب مثالاً لذلك: تأخرت الطالبة عن الحصة لأنها تتحدث مع زميلتها، أو لأنها كلفت بإرسال دفاتر الطالبات إلى غرفة المعلمات، أو لأي سبب آخر.. كيف تتعاملين معها:
- أدخلها الفصل وكأن شيئاً لم يحدث.
- أحذرها بإنقاص درجاتها إن تكرر ذلك.
- أبقيها خارجاً وأغلق الفصل.
- أناقشها في الأمر لمعرفة سبب تأخرها.