وهل تعرف صحافتنا اللياقة حتى تتكلم عنها يا حليمة ؟
بقلم ليلى الشهراني
سألت الكاتبة حليمة مظفر سؤالاً بريئاً كتلك الأسئلة التي يسألها بعض كتابنا بكل سذاجة وكأن المجيب على السؤال سيكون بنفس العقلية , فقالت : (ماذا لو أن كاتبا صحفيا محسوبا على الليبراليين قال أو كتب النكتة التي تشدق بها الواعظ محمد العريفي في إحدى خطبه الدينية ونقلتها قناة العربية منذ أيام، وتظهره فيها وهو يسخر من معتمر آسيوي يدعو الله تعالى في الحرم المكي، فأصابته ضربة شمس لينقل إلى المستشفى، ويظن بعدها نفسه في الجنة والممرضات الفلبينيات حوله الحور العين! وليت الأمر يتوقف عند ذلك، بل وتتضمن النكتة الساخرة من الحورالعين واستجابة الله لدعاء عبده، إيحاءات حين قال على لسان بطل نكتته، وهو يهم بالهجوم على الممرضات ظنا أنهن الحور العين "واحد.. واحد"!)بقلم ليلى الشهراني
ما نعرفه أن الحاج كان أفريقي وليس آسيوي , نجي لهذه القصة , وهي ليست نكته يا حليمة بل قصة حقيقيه , وتضمين الخطب بقصص أو مواقف طريفة ليس الهدف منها التهريج بل العضة والعبرة أيضاً , وهو أننا في نعمه كبيرة , فنحن نرى من الحجاج الجدد بعض المواقف الغريبة والتي يجب على القادر مساعدتهم وتبصيرهم , رأيت بعيني من بعض الحجاج من يأكل من تراب عرفة ويعللون ذلك بأن من أكل من تراب عرفة لن تمسه النار سيدخل الجنة مباشرة فهذا التراب يغسل الأدران مثلما يغسل الصابون الوسخ .
نعود لسؤالك البريء يا حليمة وهو أن الناس لا يثورون على المشائخ إذا قالوا نكتة , بينما نكات إخوانك الليبراليين ممجوجة , وقد تدفع البعض للتنقيب فيها ورفع الدعاوى بل وقد يصل الأمر إلى إخراجهم من الملة , ولكن هنا فرق بين موقف وموقف , فالعريفي يتكلم عما يراه ويسمعه من أهل القصة أو من المحيطين بهم , بينما قصص الليبراليين فإنها تشبه طريقة السحرة الذين يضيفون على الخبر 100 كذبة وكذبة .
الحور العين أصبحوا يهمونك يا حليمة الآن , لماذا لم نقرأ لك بارك الله فيك نقد صريح لمن قال (الله والشيطان وجهان لعملة واحدة) فالدفاع عن الله سبحانه أكثر وجوباً من الدفاع عن مخلوقاته , أيضاً لم نسمع لك نصف كلمة في حق ياسر الحبيب وهو يسب أمنا عائشة رضي الله عنها وهي الأحق بالدفاع , وصدقيني ليس فيها إحراج سياسي فقد ألقى الشاعر "خلف بن هذال" قصيدة في موسم الحج أمام الأمير نايف والأمير خالد وجمع كبير من الوزراء والضيوف ولم تتسبب في أزمة سياسية مع أحد لأنه حقنا فمثلما للآخرين حق في الهجوم فلنا حق الدفاع.
ولكن ما دمنا سنتحدث عن إساءة العريفي لهم , دعينا نفتح بعض الملفات الصحفية القديمة في الطرائف الخفاف من صحافتنا .
لنبدأ مع صديقتك الكاتبة بدرية البشر في مقالة (دين العظاظين والنصابين) والتي نشرتها في صحيفة الحياة تقول في مقدمتها :
(كتب الأخ الكاتب والقاص محمد علوان مقالاً ساخراً بعنوان «امراة معظوظة» تعليقاً على حادثة الرجل الذي عضّ زوجته اثر خلاف بينهما وبرر فعلته عند القاضي بأنه يتبع ما جاء في الآية الكريمة «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن»، وقد ذكرني هذا التخريج الفادح بخادم عربي مسلم يعمل عند قريب لي، ويسرق من مال المشتريات، وعندما واجهه قريبي بسرقاته وقف في وجهه بجسارة مقنعة وقال: «كله بالقرآن يافندم، مش ربنا بيؤول: «فإذا فرغت فانصب». فالاخ قرأ «النصب» على طريقته بأنها الاحتيال)
هاهي إلى يومنا هذا لم تقدم لمحاكمة ولم يوجه لها حتى لفت نظر من وزارة الإعلام . بل وحتى لم نقرأ لك مقالة واحدة تتكلمين فيها عن طرائف "بدرية البشر" مثلما كتبت عن العريفي أم أن المسألة مجرد ركوب الموجة السائدة "معهم معهم عليهم عليهم" فما أن يدعي داعي الجهاد الصحفي إلا وتهب أقلامكم ولكنها أقلام غبية مع احترامي لأنها تقف عند بعض الأمور وتنسى الأشد والأمر .
دين الإسلام ليس دين "عظاظين" ولا نصابين لأنه حتى في الغرب يعضون , وآخر من أستخدم سلاح العض كانت السيدة الفرنسية التي أنقضت على سيدة إماراتية لتنزع نقابها , وعندما وجدت مقاومة عضتها بأسنانها , وكأن هذه الفرنسية من كثرة مخالطتها للكلاب تطبعت بطباعهم وأصبحت عضاضة , المضحك في الموضوع أن هذه الكاتبة التي كتبت عن دين "العظاظين" كتبت مقالة شهيرة عنونتها بعنوان (النساء خلف أزواجهن بثلاث أمتار) وبدلاً من أن تدافع عن المرأة الإماراتية وتجرم فعل العضاضة الفرنسية وتتكلم عن دينها الذي علمها العض ,صبت جام غضبها على الرجل السعودي لأنه هو من سبب العقد النفسية لمدام "مارلين" وجعلها عضاضة نهاشة .
وفي مقالة أخرى لها تنتقد فيها كاتباً أسمه (لطف الله) لأنه برر للعريفي كلمته الشهيرة في حق السيستاني وهي (زنديق) وأعطته درساً في الأخلاق والأدب ثم وقعت فيما حذرت منه فقالت (على زنادقة هذا الزمان اليوم وفجارها أن يكفوا عن الفذلكة واللجوء لقواميس البلاغة) , تقول لا تقولوا للزنديق السيستاني إنه زنديق لكن لا مانع من أن أقولها أنا لأي شخص كان المهم أن لا تخاف إسرائيل منا .
عزيزتي حليمة , الرسول اللهم صلي وسلم عليه أورد قصة الرجل الذي ضاعت راحلته التي عليها طعامه وشرابه , فبعد أن يئس من البحث عنها وجدها عنده ومن شدة فرحه بها قال : (اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) رواه مسلم . وهذه من القصص التي تروح عن المتابع وتكسر روتين الخطبة وتنوع فيها , وما يفعله العريفي في خطبه يحبه المتابع ويستفيد منه أيضاً .
فهنا المشكلة ليست في قصه قالها فلان وبثتها القناة الفلانية , المشكلة أن الصحافة حربها مع العريفي وغيره حرب مستمرة , فشيوخ إيران وشيوخ الشيعة في كل مكان يخطبون بخطب أشد فتكاً وكراهية وتقسيماً للصف "عفواً ليس هناك صف حتى يُقسم فكذبة الصف صدقناها كثيراً", فلا يمكن أن تتابعي شيخ إيراني وتخرجي من كلامه بكلمة واحدة مهذبة عن آل سعود أو العرب , وأيضاً الشيعة وخطبهم العصماء فلا ننسى أن السيستاني أفتى بأن يغسل الشيعي يده 7 مرات عندما يصافح ناصبي. لم يقتصر الأمر فقط على خطب شوهاء منهم بل تعداها إلى المطالبة باحتلال البلدان وتقسيمها أليست هذه الخطب أحق بالمتابعة من كلمة "زنديق" ؟ هذا إن كانت صحافتنا وطنية !
الفرق بيننا وبينهم أن صحافتهم تعرف حدودها جيداً , فلا تضخم الموضوع ولا تنقل خطبة المسجد إلى العالم , فالعريفي لا يبحث عن الصحافة بل هي من تبحث عنه, وتضيق عليه في كل كلمة يقولها , فصحافتنا يا حليمة وكتابنا وأنت من هؤلاء الكتاب , دائماً ما تضخمون الحدث وكأن العريفي قضيتكم الإعلامية الأولى ولن يهدأ لكم بال إلا إن أفرغتم كل الخطباء والعلماء من منابرهم .
أحيي فيك هذه الروح الإيمانية الصادقة وأنت تدافعين عن الحور العين ولكن هناك من الليبراليين من لا يؤمن أساساً بوجود الحور العين , وهناك من يشكك في الأحاديث النبوية ويصفها بالتوحش لأنها جعلت من المرأة فتنة . فسؤالك البريء في مقدمة المقالة لم يكن موفقاً , فلو اخترت غير الليبراليين لكان أقرب للتصديق .
ليتنا رأينا فيك هذا الحماس والتوقد عندما تم إغلاق حلقات القرآن الكريم في وجه طلاب الغربية , فلم تجدي سعادتك إلا الدفاع عن هذا القرار, وضمنتي مقالك بكثير من عبارات الشتم والتنقيص التي وصفتي بها من خالفوا هذا القرار "وأنهم لا يرون ببصرهم أبعد من قشرة البيضة" ولا عجب أن تقولي هذا الكلام , أليست صحافتنا صاحبة السبق في نكتة "مؤخرة الدجاجة والقضاء" .
ولكن هذه الرؤية التي سخرتي منها كان لها من يدعمها ويؤيدها , والدليل على ذلك هو الدعم السخي الذي وضعه خادم الحرمين الشريفين لهذه الحلقات لضمان استمراريتها فهل ملكنا حفظه الله ممن ينطبق عليه كلامك ؟
أم أن الصحافة عندكم مثل الألبسة تلبسون كل يوم لبوس جديد وقلم جديد ليتوافق مع الحدث؟ , ولنا في زميلتك الصحفية التي كتبت عن العريفي دفاعاً عن السيستاني في وقت ما , وأشغلت العالم بنفسها , ثم أطلقت طرفتها الشهيرة بأن أنصار العريفي يهددونها بالقتل , ثم وضعت طرفة وهي خبر اختراق موقعها الشهير , حتى أنها الصحفية الوحيدة التي يتفاعل معها الشيعة وينشئون لها صفحة على الفيس بوك أسموها (للوقوف مع الكاتبة السعودية التي تعرضت للتهديد بالقتل بسبب العريفي) , وما حصل أنها تحولت 180 درجة وأصبحت تكتب عن دور المشائخ وأنهم يستاهلون الخير , وأصبحت عدواً لدوداً للشيعة اليوم , بعد أن كتبت عنهم بالأمس مقالتها الصفراء : (الشيعة لون في نسيج الوطن) , وزارت القطيف في يوم عاشوراء , وقالت في إحدى المقابلات (الآن أستطيع الدفاع عن الشيعة) ثم أصبحت تتبادل التهم معهم التهم , وآخرها تخوينها لزميلها "أنس زاهد" .
مضحك هذا الوضع يا حليمة , الخطأ الوحيد الذي أرتكبه العريفي من وجهة نظري , أنه قدم لكم مادة دسمه للكتابة , وتشتيت ذهن القارئ بقضية لا تسمن ولا تغني من جوع , فأقلامكم كالعادة لا تستطيع الحديث عن الشأن العام , ولا عن قضايا الفساد , ولا عن قضايا المجتمع , هي لا تجيد إلا الهجوم على خطباء الجمعة والهيئة لأن هؤلاء هم قضيتها الكبرى .
ما أصابني بالمغص الكتابي هو حديثك عن السخرية والتحذير منها , وفي نفس الوقت تمارسينها وبقوة في مقالاتك , إلا أنها سخرية "على ناس وناس" , فلا يمكن أن يقبل القارئ النصيحة وهو يرى المقالة ساخرة مع مرتبة القرف .
أخيراً أتوجه لوزارة الإعلام بسؤال , إن سكتم عن هذا الوضع المزري في صحافتكم , فلا تلوموا الناس إن اتجهوا للصحافة الخارجية أو الإلكترونية فأنتم إلى اليوم لم تقدموا لنا كتاب صحف معتبرين ما زالت ثقافة كتاب بعض الصحف ثقافة "حواري" وأسلوب (ضربني وبكى وسبقني وأشتكى) . أرحموا عقول القراء ونظفوا الصحف من هؤلاء فمنظرنا الإعلامي أصبح هزلي .
بقلم / ليلى الشهراني