حوار مع أسعد رجل في العالم
كعادته في الأزقة يتجول وفي الأماكن الخربة يبيت طاويا ليله,
عيشه الخبز اليابس وشرابه الماء أين وجد!
رث الهيئة ترتحم لحاله وتستنجم مشاعرك عطف قلبك له وماذك إلا أنه مجنون!!
أوقفته يوما من الأيام لأنظر لحاله فبادرته السؤال هل تريد حاجة ما؟
فألجم جوابا حكيما : لست من أهل الصدقة هناك من هو أحوج مني.
ثم تنهد:إنني كل يوم أشتري بضع خردوات ثم أبيعها وأنتصف الربح جزء آكله وجزء أتصدق به على الفقراء!!
ولم يقف هنا بل أورد حديثا عند البخاري
" وألا نسأل الناس شيئا"!!
خرج هذا المجنون ذات مرة من المسجد بعد صلاة العصر فمر على دورات المياه وأخذ وعاءا فارغا وسكب فيه قليل من الماء
فسألته إلى أين تذهب بهذا الماء؟
فأجاب بقوله : أتوضؤا به لصلاة المغرب
حيث أن في وقت الصلاة يكون هناك زحام شديد على دورات المياه
فلا أريد أن أوذي عباد الله وأزاحمهم
ثم نطق بهذه الحكمة المدوية
"الله يتقبل منا الصلاة قبل الممات"
جرى بيني وبينه حوار طويل حول بناء الحضارة وسعادة الإنسان فأردف
قائلا: إنني أسعد رجل في العالم إنني أبيت طاويا حياتي مع القرآن
إنني أعيش عيشة الملوك والرؤساء لم أصب بمرض خطير
لأنني فقدت وظيفتي أو أنني لم أتزوج أو أنني منبوذ
من المجتمع كما يزعم الآخرون
بل أتمتع الآن بصحة جيدة لأنني مع الله
ومن كان الله معه فلا يخاف بخسا ولارهقا!!
شكرته ونطلقت مسرعا لأكتب مقالة
وماعساي أن أقول هل أكتسبت حكمة من مجنون ؟
أم حكمة من مبصر القلب عمي العقل ؟
وهل غداف قلبه المخلص مدرسة يتعلم منها أؤلئك الثرثارون الذين وهبوا مجامع قلوبهم للناس يطلبون حمدا جللا .
وإني بعد أن سبرت الحياة أهب اليوم لنفسي ميلادا جديدا وحكمة أضفي بها لعمري حياة
" أن من لم يخلص فلا يتعنى"
إن كثيرا من مرض النفوس الذين أوكت بهم المصحات النفسية ماهم إلا نظرة حاقبة من نظرات المجتمع الظالم الذي ظلم انسانيتهم
فزجهم بسجون الإكتئاب والقلق.
ولو أننا أوقفنا أنفسنا للمحاسبة وتأنيب الضميروانتشينا خمائر عقولنا لنحكم بالقسط مع أؤلئك المغمورون في الحياة
لنمنحهم طعم السعادة لنمنحهم دفء الإيخاء والرحمة
لأغلقت مستشفيات المجانين إلى الأبد وأبدل مكانها بيوت الحب,
بيوت التكاتف الإجتماعي!
إني أؤمن أن الحياة بسمة غامرة بوداد الصدق والإخلاص فتصدق بها على أؤلئك البائسين والتمض حياتك شاكرا لمولاك بعطفك عليهم
فجرب فربما تكون صافا في قوائم السعداء
أو ملاكا ينتظر النجوم لتلمع في وشه الليل!!
ربما تكون ساكنا في قصر وثير وتملك الملايين من الدولارات
ولكنك مع ذلك تزج نفسك مع القلق ووهب اليأس والقنوط
وربما تفكرأن تتخلص من حياتك ولكنني أنصحك ألا تقدم على غايتك الأثيمة فتؤلم نفسك من حيث لاحاجة.
يقول بعض المفكرين:
إن من يريد لنفسه أن يغني للحياة على الدوام لابد له من أن يتجنب اليأس وأن يتعلق دائما بالأمل في رحمه الله وفي الغد الأفضل,
وأن يحدد لكل مرحله من مراحل العمر هدفا قصيرا مشروعا يسعى إليه..
وبغير تفريط في قيمه ومبادئه الاخلاقيه ومثله العليا,
لأن النجاح الذي يجيء ثمرة للجهد الصادق المتزن المترفع عن الدنايا والأساليب القذرة هو بحق جائزة السماء لمن ينالونه.
وإن من حق كل إنسان أن يغني في أي مرحله من العمر..
ومن حقه أيضا أن يبكي بلا خجل من دموعه حين يشتد إحساسه بآلامه الشخصية وأحزانه..
ومن حقه أن يكون له في الحياة من يهتمون بأمره ويهتم بأمرهم
ومن يستطيع أن يضع رأسه على كتف أحدهم ويبثه همومه وأحزانه وأشجانه,
فلقد كان رجل الإنسانية الذي ركعت أوروبا كلها تحت قدميه نابليون بونابرت
يقول: أنأ اضعف من أن أكتم آلامي الشخصية أو أن احتفظ بها وحدي.
لكن ذلك لا يعني أن يستسلم الإنسان للأحزان والآلام واليأس,
وإنما يعني فقط ألا يخجل من لحظات الضعف الانسانيه في حياته,
وأن يجعل طابع حياته هو ««التفاؤل »» بالحياة ويتذكر ماكان
يقوله سير بادن باول مؤسس الحركة الكشفية العالمية
من انك إذا ضحكت ضحكت معك الدنيا وإذا بكيت بكيت وحدك.